لمحة تاريخية
المصحف الكريم الذي بين أيدينا من نوادر أعمال الخطاط العثماني الشهير عثمان بن علي أفندي مؤذن جامع خاصكي ، وقد توارثته عائلتنا منذ ما يزيد عن قرنين من الزمن.
ولد حافظ عثمان في اسطنبول عام 1642 ميلادي الموافق لـ 1051 هجرية ، وتوفي فيها في العام 1698 ميلادي الموافق لـ 1109 هجرية عن عمر يناهز 58 عاماً.
ولد حافظ عثمان في اسطنبول عام 1642 ميلادي الموافق لـ 1051 هجرية ، وتوفي فيها في العام 1698 ميلادي الموافق لـ 1109 هجرية عن عمر يناهز 58 عاماً.
عرف حافظ بأنه من الدراويش الزاهدين ، وكان معلماً معتمدأ للسلاطين العثمانيين
أحمد الثاني ، ومصطفى الثاني وأحمد الثالث ، وقد سطع نجمه ونال الكثير من الحظوة
والرعاية الخاصة من قبل السلطان العثماني مصطفى الثاني الذي عقد له محبرة خاصة كما
كتب رحمه الله.
وقد حفظ القرآن وهو صبي
فعرف باسم “الحافظ عثمان”. ولد الحافظ عثمان سنة 1642 ميلادي، ونشأ في القسطنطينية
عاصمة الخلافة الإسلامية ومقر العلماء يومئذ. وقد بدأ الحافظ عثمان يميل إلى الفقه
والأدب وأخذ يتقرب من العلماء ورجال الدين واغلبهم يومئذ يحسنون الخط ويجيدونه
فأحب الخط العربي وبدأت مواهبه فيه تتفتح. أخذ قواعد الخط العربي وأصوله عن الشيخ
درويش علي الكاتب الرومي الشهير المتوفى سنة 1673. حتى إذا استأنس الحافظ عثمان
بخطه واستقامت حروفه وسطوره بفضل همته العالية وعشقه الدائم وحسن تقليده لخطوط
الأئمة المجودين في الخط العربي ممن سبقوه.
عند ذلك اتصل الحافظ
عثمان بالكاتبين البارعين الشهيرين "صويولجي زادة مصطفى" و "إسماعيل نفس
زادة" فواصل عليهما الدراسة الفنية حتى تخرج خطاطاً بارعاً لا يشق له غبار
ولا يقوم أمامه احد من الخطاطين المعاصرين له. إن الخطاط “درويش علي” كان قد وصل
إلى سن الشيخوخة فلم يستطع ان ينشغل بالخطاط عثمان كما يجب فأرسله إلى "صويولجى زادة مصطفى
الأيوبي" الذي توفي سنة/1685 م ، وكان الحافظ واحداً
من أبرز طلابه واستطاع أن ينال الإجازة من أستاذه الجديد وهو ما يزال في الثامنة
عشرة من عمره ومن خطاطين آخرين.
كان الحافظ عثمان حاد
الذكاء ذا بصيرة نافذة شغوفاً بفنون الخط العربي عالي الهمة صبوراً ذا أناة ودأب
وقد أعانته هذه الخصال على استيعاب فنون الخط العربي وأسراره فبرع فيه غاية
البراعة وسلمت إليه مقاليد البراعة وأعطاه الله الشهرة الذائعة حتى تفوق على
اقرأنه وشيوخه والنابغين من أهل عصره من أرباب الخط. واشتهر اشتهار الشمس وذاع
صيته في الآفاق وأقبلت الدنيا عليه وابتسمت له الأيام. وتنافس الناس في اقتناء
خطوطه وبيعت سطوره بأغلى الأثمان ورغب الكبار من القوم في خطه.
وقد وهبه الله تعالى قدرة فائقة وكفاءة نادرة المثال واستعداداً
على تطوير الخط العربي وتحسينه وتهذيب قواعده وأوضاع حروفه حتى أصبح مدرسة خاصة له
قاعدته المتميزة خاصة في خط النسخ ولم يصل إلى مرتبته احد في وقته والى يومنا هذا
وقد نبغ مئات الخطاطين من الأتراك في خط النسخ بصورة خاصة ولكن لم يصل إلى مرتبة
الحافظ احد منهم أبداً. وان نابغة العراق المرحوم هاشم محمد البغدادي (على علو مكانته وحسن
ضبطه) كان من أشد المعجبين بخطوط الحافظ عثمان في المصاحف. وفي سنة
1694 نصِّب الحافظ معلماً للسلطان (مصطفى خان العثماني) فأخذ عنه السلطان
فنون الخط العربي وأحبه كثيراً وتعلق به قلبه وقد أصدر السلطان أمره بإعطائه قضاء
ديار بكر.
ينسب إلى هذا الخطاط
القدير أنه أول من قام بتصميم ((الحلية النبوية – Hilya)) وهي لوحات جدارية تشتمل على نصوص من
الحديث الشريف تصف مظهر وصفات خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم ، وذلك بالاستناد إلى مخطوط الشمائل المحمدية للإمام الترمذي رحمه الله ، وقد
عرف التزام السلاطين العثمانيين بارتدائها ووضعها على الجدران تيمناً بالنبي محمد
صلى الله عليه وسلم واقتداء بهديه عليه أفضل الصلاة والسلام ، هذه الحلية هي التي وضعت أسس تصاميم
الزخارف الإسلامية ، التي سرعان ما أصبحت المعيار الموحد لفن الزخرفة في العمارة
الإسلامية العثمانية ، وامتثلت للقيود ضد التصوير الشكلي للبشر الذي كان الطابع
المميز للعمارة الأوروبية.
في سنة 1695 م أصيب الحافظ عثمان
بالشلل وبقي مريضاً به ثلاث سنوات. توفي رحمه الله في الآستانة سنة 1698 ودفن في رباط
(قوجه مصطفى باشا). كتبت على قبره لوحة رائعة ذكر فيها انه كان رئيس
الخطاطين وبوفاته انطوى علم من أعلام الخط العربي خدم هذا الفن وأخلص له غاية
الإخلاص.
أما إجلال الخطاطين
الأتراك للحافظ عثمان واحترامهم له وتقديرهم لمنزلته وشعورهم تجاهه بالتسليم
لزعامته فقد جاوز الحد بحيث أصبحوا يعتقدون أن لا أحد من الناس يستحق أن ينال درجة
الحافظ عثمان ولو أجاد كما أجاد الحافظ وكانوا يقومون عند ذكر اسمه احتراماً له.
إن الحافظ عثمان قد
وفقه الله تعالى لكتابة المصحف الشريف حتى كتب (خمسة وعشرين مصحفاً) في غاية الحسن
والجمال والإتقان والتنسيق وتهافت الناس على خطه وطبع مصحفه الذي كتبه. وقد طبع
مصحفه مئات الطبعات في مختلف الأقطار الإسلامية وانتشر في العالم الإسلامي وفاق الطبقات
السابقة واللاحقة ولم يقاربه احد من خطاطي المصاحف حتى صار الناس ينسبون المصحف
إليه فيقولون (مصحف الحافظ عثمان) وذلك لشهرته ووضوح سطوره وحروفه وحسن تنسيقه
وجمال خطه.
من أهم الأعمال الخالدة
لهذا الخطاط نسخة من القرآن الكريم محفوظة في مكتبة متحف قصر توبكابي في اسطنبول ونسخة أخرى
موجودة في مجموعة ناصر الخليلي. وتعتبر المصاحف المخطوطة بيد هذا الخطاط الشهير من
أعظم النفائس القرآنية في عصره.
هذا المصحف الكريم الذي
بين أيدينا هو مخطوط يدوي من قبل الخطاط العثماني الشهير حافظ عثمان ، وهو واحد من
ثلاثة نسخ معروفة بصغر حجمها خطتها يدا هذا الخطاط العظيم.